LOADING

Type to search

الورثة الصينيون

GB Geo-Blog

الورثة الصينيون

انتروبولوجيا الاقتصاد الأميركي 3

واقع الحال ان الخشية من النمو الصيني لها ما يبررها تاريخياً في الولايات المتحدة الاميركية لهذا السبب بالضبط، وكان الكسي دو توكفيل الفيلسوف والسياسي الفرنسي، الذي زار اميركا في رحلة امتدت بين شهر نيسان – ابريل 1831 وشهر آذار – مارس 1832، وكتب على اثرها مؤلفه الشهير: “عن الديموقراطية في اميركا”، قد لاحظ امران يجدر بنا تسجيلهما في هذا السياق: الأمر الاول انه لاحظ شيخوخة اوروبا وعجزها عن التحرر من ارثها الاريستوقراطي – الاستبدادي المغرق في تجذره، مما حدا به إلى الإعلان ان اوروبا محكومة بالتنازل عن سيادتها على العالم لصالح منافسين اثنين: روسيا والولايات المتحدة الأميركية. والمدقق في ملاحظة توكفيل هذه، يمكن ان يفيها حقها من الصحة والدقة حين يتذكر ان القارة الاوروبية قُسمت بعد الحرب العالمية الثانية مناصفة بين ما كان يصطلح على تسميته الجبارين: الاتحاد السوفياتي وفي القلب منه روسيا، والولايات المتحدة الاميركية، واستمرت هذه القسمة فاعلة وناجزة طوال عقود إلى ان انهارت الأمبراطورية السوفياتية في غرة تسعينات القرن الماضي. والحق ان توكفيل كان يرى رأيه هذا، استناداً إلى ملاحظاته المدونة عن اميركا، بوصفها بلداً متسعاً تعمّه الخيرات، التي في وسعها بسهولة شديدة ان تتحول ثروات، لا قبل لأوروبا بتحقيق موازيات لها على اي نحو من الانحاء، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على روسيا بلاداً شاسعة وخيرات لا تنضب، في وسعها إذا ما احسن استغلالها ان تتحول ثروات هائلة، وهذا امر يجدر بنا مناقشة اسباب فشله روسياً ونجاحه اميركياً على نحو واف ومدقق

بعد الفشل الروسي في مقارعة اميركا وانهيار الامبراطورية الاشتراكية، كان ثمة بلد آخر يشهد نمواً لافتاً ويختزن في حدود سيادته القانونية والحقوقية خيرات وامكانات لا تنضب، والأهم من هذا كله تراثاً وتاريخاً موغلين في القدم. هذا البلد هو الصين، وليس اليابان او المانيا بطبيعة الحال. والرهاب الأميركي من التقدم الصيني حار وحاد بالدرجة نفسها التي كان عليها الرهاب الشيوعي، لكن المواجهات وسبلها تختلف اختلافاً بيناً، مثلما ان طبيعة المنافسة وشروطها تختلف ايضاً

بالعودة إلى توكفيل، يجدر بنا تسجيل ملاحظة اخرى لامعة: لاحظ توكفيل ان الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر كانت في طريقها إلى السيطرة على البحار، لكنه اردف: ليست صناعة السفن الأميركية صناعة متقدمة، فالسفن الاوروبية امتن صناعة واكثر اماناً واطول عمراً واسرع ابحاراً، لكن ما يميز الاساطيل التجارية الأميركية ويجعلها اقرب إلى السيطرة على طرق المواصلات البحرية العالمية، هو طبيعة البحار الأميركي، ففي وقت يأنف القبطان الانكليزي او الفرنسي من الإبحار في الأنواء والطقس العاصف، لا يتورع القبطان الاميركي عن مواجهة العواصف والإبحار بشحنته بصرف النظر عن المخاطر وشدتها، كما ان البحار الاوروبي يرفض معايشة الشظف الذي يتقبل البحار الأميركي معاينته ومعايشته من دون شكوى، فضلاً عن هذا كله، فإن اجور النقل على السفن الاميركية اقل من مثيلتها على السفن الاوروبية بما لا يمنح السفن الاوروبية حظاً في المنافسة

The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.

الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز

Categories:

Leave a Comment

Next Up