LOADING

Type to search

التوغل في الداخل وترك الشواطئ للمهاجرين الجدد

GB Geo-Blog

التوغل في الداخل وترك الشواطئ للمهاجرين الجدد

انتروبولوجيا الاقتصاد الاميركي 6

المواجهات الدائرة اليوم في العالم بين اميركا وخصومها تجعل من وصف نغري وهاردت، في كتابهما السالف ذكره، لأميركا بوصفها بوليس عالمي دقيقة. بل ان آلان ليبياتز الفرنسي اليساري، والكاتب في ليبراسيون، يشاركهما الرأي واصفاً الولايات المتحدة بالكوندوتييري الروماني، الذي يضبط التذمرات ويسهر على تطبيق السياسات عبر التهديد بالقوة العارية. والحال، ليس ثمة في المواجهات الدائرة اليوم بين اميركا وخصومها ما يمكن تحميل ملامحه على وجه شبه بالحرب العالمية الثانية او الأولى، جل ما في الأمر ان الجيش الاميركي في غير مكان من العالم يضطلع بدور البوليس الذي يواجه عصابات منظمة وراسخة، ويريد اخضاعها تحت حد القانون، لكن العصابات مهما بلغ شأوها وتعاظمت قوتها وافصحت عن بيانها السياسي والايديولوجي، لا تهز النظام، ولو ربحت معركة او اكثر ضد البوليس. لسنا امام قوة جبارة تواجه اميركا مثلما كانت الحال في حقبة الحرب الباردة، ولسنا ايضاً امام دولة يكاد العالم يسلس لها قياده كحال المانيا في حقبة الكراهية التي عصفت بأوروبا في العشرينات والثلاثينات. انها ليست حقبة افول الامبراطورية الاميركية بكل تأكيد. إذا كان ثمة افول متوقع، فلن يكون اسامة بن لادن سببه، ولا حتى احمدي نجاد

لا شك ان ثمة حيثيات وازنة تدفع بالكثير من المحللين في العالم إلى اعتبار التنافس الصيني الأميركي يأكل من حصة اميركا لحساب الصين. كل تقدم صيني في معنى من المعاني يقتطع حصة من الجبنة الاميركية، ويدفع اميركا إلى تخلف ما. هذا امر لا جدال فيه. وهو امر يتغذى من مزاج اميركي راسخ منذ القدم، استناداً إلى ملاحظة توكفيل النيرة. لكن الكاتب نفسه لا يلبث ان يلاحظ امراً أثبت موقعاً في المزاج الأميركي العام. إذ يورد ملاحظة اخرى تختص بالشعب الأميركي قد تكون ابلغ ما يمكن سوقه تفسيراً لما يجري في اميركا الراهنة

يلاحظ توكفيل ان الاميركيين الاوائل استوطنوا الشواطئ الأميركية، لكنهم سرعان ما اخذوا يتوغلون في الداخل ويتركون الشواطئ للوافدين الجدد. ويلاحظ ان نواب الولايات المنتخبين إلى مجلسي النواب الفدراليين، يعود كثير منهم في اصوله إلى الولايات الساحلية، اناس هاجروا من محاذاة الشواطئ لأسباب متعددة: ضيق السبل او حب المغامرة، واستعمروا مناطق اخرى في الداخل، وانشأوا ولايات جديدة. هؤلاء، استكمالاً لسيرتهم الاولى في الهجرة من اوروبا الضيقة إلى الولايات المتحدة الشاسعة والملأى بالفرص، كانوا يتركون وراءهم عماراً واجتماعاً ويمضون إلى مجاهل اميركا لإنشاء عمار واجتماع جديدين. وفي هذا السعي، ما جعل اميركا برمتها بلاد مهاجرين، وهي الحال التي ما زالت عليها حتى اليوم. هذا امر لا تشترك فيه اميركا مع اي بلد في العالم، ما خلا اسرائيل، لكن حال اسرائيل مختلفة موضوعياً ولا يمكن سحب كل ما يترتب على هذه الخاصية من نتائج على اسرائيل على اي وجه من الوجوه. اميركا بلد مهاجرين، وهي في ذلك تختلف اختلافاً جذرياً عن اوروبا برمتها وطبعاً ليس ثمة وجه للمقارنة بين احوال اميركا واحوال الصين او الهند او روسيا. والأمر صينياً بخلاف ذلك تماماً، إذ ليس ثمة بقعة في بلاد الله الواسعة لا يهاجر الصينيون إليها، وتكاد لا تخلو مدينة كبيرة في العالم من “صين صغيرة”، من لندن إلى نيويورك فلوس انجلس فبرلين

The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.

الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز

Categories:

Leave a Comment

Next Up