تذويب الغضب
اول شيء اراد سيلفيو بيرلسكوني رؤيته في الصباح التالي للحادثة كان صحف الصباح. اراد ان يعرف كيف تعاملت وسائل الإعلام الإيطالية والعالمية مع الحادثة. سيلفيو بيرلسكوني هو صاحب امبراطورية اعلامية، وهو ملياردير ايضاً ورئيس وزراء ورجل سلطة. باختصار هو صاحب سلطات عاتية. لذلك، ربما، آثرت وسائل الإعلام التعامل مع الحادثة بحذر. بعضها لم يشأ ان يبرز وجه بيرلسكوني المدمى، وبعضها الآخر رأى انه من الأفضل ان يغطي الحادثة على النحو الذي جرت فيه. لكن الغالب على التغطية الإعلامية كان صعوبة اتخاذ موقف محدد، ليس لأن بيرلسكوني مكروه ويراد الانتقام منه، بل لأن بيلسكوني لا يستطيع ان يكون ضحية. رجل مثله لا يكون إلا ضحية من ضحايا القدر، وليس في وسعه ان يتحول ضحية عنف رجل مختل او غير مختل على حد سواء. في الحادثة التي جرت وجدنا انفسنا امام معتد إنما ليس ثمة من يمكن اعتباره معتدىً عليه. بيرلسكوني من اصحاب السلطات الذين لا يستطيعون ان يكونوا ضحية عنف سيار وعابر. ذلك ان الرجل الذي يحوز بين يديه هذه السلطات مجتمعة هو بالضبط صانع ضحايا. ثمة ضحايا لسياساته، وثمة ضحايا لأمبراطوريته الإعلامية، وثمة ضحايا لنواديه الرياضية. وهو يقف، ككل رجال السلطات، في الموقع الذي لم يعد يخوله ان يكون ضحية بعد. وعلى عكس ما يظن ويشاع منذ السيد المسيح وحتى اليوم، لم تعد الضحايا تستطيع الانتصار، الضحايا عادت ضحايا فقط. يستطيعون الغضب، يستطيعون الاحتجاج لكنهم دائماً وابدأً يقعون في موقع من لا يستطيع الفوز والانتصار
المعتدي على بيرلسكوني قد يكون مختلاً عقلياً، وكان في وسعه ان يكون ناشطاً غاضباً، وهو حين فعل ما فعله لم يحرز بطولته ولا حاز وسامه. جل ما جرى انه سلط مزيداً من الضوء على رجل يعيش في الضوء. والنتيجة مفجعة. حتى المعتدي يتحول ضحية في هذه الحال. المعتدي نفسه الذي لكم بيرلسكوني بتمثال صغير يحمله في يده تحول من جان إلى ضحية. كما لو أن امبراطوريات بيرلسكوني المتعددة المشارب والمنابت والاتجاهات تستطيع بطرفة عين ان تلغي مفاعيل الغضب والثورة والاحباط. الضحايا يملكون دائماً ان يغضبوا. مضى زمن كان فيه الغضب قادراً على إحداث الأثر. اليوم باتت السلطات الهائلة قادرة على محو الغضب ورميه في سلة المهملات. اغضبوا مثلما شئتم، لم يعد ثمة في الغضب ما يخيف
The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief orthe Glendon School of Public andInternational Affairs.
الاراء الواردة في هذا البلوغ تعبر عن رأي كاتبها الشخصي ولا تعكس موقف ورؤية غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز