هل عدنا إلى ما قبل التاريخ
في حديثه للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي قال الرئيس الأميركي باراك اوباما ان اسمه الأوسط، باراك حسين اوباما، هو واحد من الأسباب التي تدفع إلى الشك في مواقفه وميوله حيال إسرائيل. والحق ان ما يطرحه الرئيس اوباما ليس عابراً ويمكن المرور عليه من دون تمعن وتفكير. ذلك ان الهويات اليوم تتشكل وتتكون استناداً إلى الجذور ونادراً ما ينجح اي كان في تجاوز جذوره او الصدور من غير المكان الذي يحتضن جذوره
أغلب الظن ان آخر محاولات صناعة هويات فردية توكل المرء إلى نفسه في تحديد هويته، فيكون عاملاً او مهنساً او صاحب مصنع، ولا يكون يهودياً او مسلماً او ابيض او اسود، انقضى عهدها مع وصول الماركسية إلى أزمتها الكبرى في خمسينات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين يبدو العالم كما لو أنه يسير وفق خطوط جغرافية وتاريخية مرسومة سلفاً. بحيث يعجز اي كان عن التصرف كما لو أنه بلا جذور، او كما لو انه صنع جذوره بنفسه
الرئيس اوباما حاول تبديد الشكوك التي تحيط بنسبه وجذوره ولونه، وربما تكون أميركا نفسها غامرت مغامرتها الكبرى والأهم في تاريخها بانتخابها رئيساً ملتبس اللون والجذور استناداً إلى الفكرة السائدة عن الهوية الاميركية وكيفية تعبيرها عن نفسها في أكثر من مناسبة. لكن الشك بنسبة اوباما ونسبه، وهو قد يكون شكاً محقاً في بعض جوانبه، يجب ان يدفعنا للشك العميق في اتجاهات الرأي الإسرائيلية في نظرتها إلى إيجاد حل للمشكلة المزمنة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط. اغلب الظن ان من يدعو لقيام دولة يهودية، ويتصرف على اساس ان كل يهود العالم بصرف النظر عن أماكن ولادتهم ونشأتهم هم مواطنون في هذه الدولة بقوة القانون، لن يستطيع ان يتفهم معنى انتخاب رجل اسود ذو جذور إسلامية لرئاسة الولايات المتحدة. فبين الأفق الضيق الذي تمثله هذه النظرة المستندة إلى الجذور دون غيرها، وبين مغامرة الولايات المتحدة في انتخاب اوباما، ثمة بون شاسع لا يمكن ردمه بحديث تلفزيوني او اثنين. اميركا تغامر في محاولة صناعة تاريخ علماني مرة أخرى،ـ في وقت يبدو العالم كل يعود إلى جذوره. والمعنى العميق في ان تكون علمانياً يتصل باعتقاد المرء الراسخ في أنه ما هو عليه وما اكتسبه علماً ومعرفة وتجربة، وليس في نسبه أو أصوله او جذوره
قد لا تكون خطط الرئيس اوباما السياسية والاقتصادية مناسبة وعادلة. لكن مسألة انتخابه رئيساً في الولايات المتحدة الأميركية تبقى علماً على انتصار علماني في اكبر دولة في العالم، على كل التشكيلات الما قبل تاريخية التي تسيطر على المشهد السياسي في عالم اليوم
The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.
الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز