الأخ الأكبر
في رواية جورج اورويل الأشهر 1984، ثمة الأخ الأكبر الذي يطل على شعبه ورعاياه عبر الشاشات. الأخ الأكبر لا يخشى احداً، لكنه يترفع عن مخاطبة البشر الفانين، وهم عموم الرعايا والمواطنين، وجهاً لوجه. وحيث ان السياسة والشؤون العامة في دولة اورويل تحولت إلى شؤون داخلية بحت، فضلاً عن استعداء كامل وتام للمنشقين عن الدولة الكبرى الجامعة المانعة، يصبح اي اعتراض على سياسة الدولة، التي يقودها الأخ الاكبر ويرعاها، دخولاً في خانة التعامل مع المنشقين الذين يؤسسون دولة ليس لها هدف غير تقويض الدولة الأم
الأخ الأكبر، يخاطب الناس عبر الشاشة. أصلاً هو لا يخاطب احداً بل يملي ويقرر ويعلن. والناس يستطيعون ان لا يستمعوا إليه وان يفترضوا ان ما يقوله ويعلنه جزءاً من نوافل اليوميات كمثل نشرة الطقس، او نشرة الطرقات. يحدث ان يزدحم هذا الطريق دون غيره، وليس ثمة من نلومه على هذا الازدحام، فالازدحام يحصل بالصدفة البحت التي تعفي الناس والمسؤولين من اي مسؤولية حيالها. والحال، يعلن الأخ الأكبر ما يعلنه بوصفه من تحصيل الحاصل، على الناس أخذ العلم بهذا الإعلان فقط، وليس عليهم ان يناقشوه
الأخ الأكبر هو زعيم دولة تبلغ مساحتها اكثر من نصف مساحة الكرة الأرضية، وذات موارد لا تحصى ولا تعد. وحين يكون المرء على هذه الدرجة من رفعة المقام والتسيد، ربما يحق له ان يحسب نفسه اعلى كعباً من البشر وارفع منهم مقاماً. ألم يكن ثمة بين ملوك فارس من يعتبر نفسه منزهاً عن اي خطأ؟ وألم يكن بين ملوك فرنسا من يلقب نفسه بلقب الملك الشمس؟ ومملكة فارس والتاج الفرنسي ليسا أكثر من دولتين بين دول متعددة أكبر أو أصغر. مع ذلك، ورغم ان الأخ الأكبر يحكم ما يزيد عن نصف الكرة الأرضية رأى القراء والنقاد ان هذه الرواية هي كابوس حقيقي ينبغي على البشرية العمل على تجنب وروده
مع ذلك ثمة في الشرق الأوسط أخوة كبار كثيرون، ويطلون على البشر الأقل منهم مقاماً ورفعة من خلال الشاشات، وغالباً ما يعلنون من شاشاتهم هذه أنهم أكبر وأقوى من العالم كله، وأنهم قادرون على هزيمة الكرة الأرضية مجتمعة، وكثيراً ما يبشرون اتباعهم بأن المصائب والكوارث قادمة، لكنهم قادرون على مجابهتها والتصدي لها، ومستعدون لدفع الأثمان اللازمة في سبيل هذه المواجهة. الأثمان هذه هي دماء وأرزاق وعمران. فحجم التضحية ليس مهماً، المهم ان تبقى شركات انتاج التلفزيونات في اليابان والصين وكوريا سالمة من كل أذى، لكي يتسنى لهؤلاء ان يخاطبوا رعاياهم من وراء الشاشات بعد كل حرب
The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.
الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز