المسجد صفر مجدداً
كتبت ستيفاني جونز، خبيرة العلاقات الحكومية والعامة الأميركية، مقالة في “الواشنطن بوست” تفيد ان بناء المركز الإسلامي في محيط الموقع صفر في نيويورك بات ضرورة اميركية وطنية. ذلك ان تراجع القيمين على بناء المركز في تلك النقطة بالذات يعني ان ثمة ضغط أكثري حال دون تمكين اقلية (مسلمة) من ممارسة حقوقها القانونية والدستورية. وهذا يعني في ما يعنيه ان الأكثرية نجحت في دفع الأقلية إلى خانة المواطنين من الدرجة الثانية
إلى هنا يبدو المنطق سليماً مئة بالمئة. وما تطرحه ستيفاني جونز من ناحية ثانية موجه للأكثرية التي تملك القوة والنفوذ، لتطالبها بأن تكون مبادرة في إزالة سوء الفهم مع الأقلية والكف عن اعتبارها عدواً لها، ودفعها إلى الانكفاء. دستورياً وقانونياً واجتماعياً هذا كلام لا غبار عليه. يبقى ان المسألة لا تقف عند هذا الحد. ذلك انه من واجب الاكثرية الأميركية حقاً وفعلاً ان تبادر إلى إزالة سوء الفهم بين الأقلية الأميركية (المسلمة) والأكثرية المتعددة. لكن منطق الأكثرية ايضاً لا يخلو من وجاهة، يجدر بالأقلية نفسها ان تأخذه في اعتبارها. ذلك ان ما جرى في 11 ايلول الشهير، واضح تماماً للعيان: 19 شاباً قادوا طائرات مدنية وعمدوا إلى صدم اثنتين منها ببرجي التجارة في نيويورك باسم الإسلام. لنعترف ان الإدارة الرسمية في واشنطن اعلنت، سواء في زمن الإدارة الحالية او الإدارة السابقة، ان هؤلاء لا يمثلون الإسلام، وأنهم يغتصبون النطق باسمه على غير رغبة من المسلمين انفسهم. وهذا صحيح. لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، إذ يجدر أيضاً بالمسلمين ان يعلنوا تبرؤهم من هؤلاء من دون لبس او تأتأة. وهذا ما لم يصدر بداهة في الأيام الأولى التي اعقبت ذلك الهجوم الدامي
اليوم يمكن القول ان السياسات والتحالفات والوقائع فرضت على الدبلوماسيات، هنا وهناك ان تتعايش وتتحالف وتتواطأ من دون اشتراط أميركي على الدول المسلمة بشجب ما جرى علناً وبوضوح. وفي الدبلوماسيات الخارجية هذا أكثر من مفهوم، ذلك ان الاعتذار الاميركي لليابان أتى متخلفاً كثيراً عن وقائع التحالفات مع اليابان نفسها، وتأخر الاعتذار لم يحل دون تعاون الدولتين – الأمتين. لكننا اليوم نواجه مسألة اكثر دقة تتعلق بمواطنين اميركيين يؤمنون بالدين الإسلامي. وحيث ان ضحايا البرجين التوأمين هم ضحايا اميركا كأمة وشعب ودولة، بكافة فئاته وألوانه وأعراقه، فربما يجدر بالقائمين على بناء المسجد، رداً على السجال المندلع من دون حدود، المبادرة إلى دعوة مسلمي الولايات المتحدة للصلاة في الموقع صفر نفسه لراحة أنفس ضحايا البرجين التوأمين بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم واجناسهم. في هذه الحال، يصبح استخدام الحق القانوني والدستوري ببناء المسجد واجباً وضرورياً. ذلك ان الأقلية مطالبة ايضاً بالسعي لإزالة سوء الفهم ورفض ثقافة التعميمات، بقدر ما هي الأكثرية مطالبة بذلك، وربما أكثر
The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.
الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز