المسجد صفر
الرئيس الأميركي باراك اوباما ليس نادماً على ما صرح به حيال الحق الدستوري لأي مواطن او مجموعة اميركية في بناء دور عبادتها في أي مكان، بصرف النظر عن حساسية الموقع اجتماعياً وسياسياً الذي يراد البناء عليه. الضجة التي قامت أصلاً حول بناء المسجد ليست إلا من قبيل التذمر من الحقوق القانونية والدستورية. ثمة في أميركا من يعتقد ان الدستور والقوانين سموحة بما يكفي لتربية الخطر والحقد. وثمة أيضاً من لا يزال يعتقد ان الناخب ما زال صاحب السلطات كلها، وعلى ممثليه تنفيذ رغباته بوصفها اوامر تصدر عن اسيادهم
هذا في أحسن احواله يعيد المناقشات الأميركية إلى فجر ثورتها، حين كان السجال حاداً بين فريق يرى ان النائب هو مجرد ناطق باسم الذين انتخبوه، وليس من حقه ان يخالف رغباتهم، وفريق آخر يرى ان الشعب يكون صاحب السلطات كلها يوم الانتخاب فقط. بعد ذلك على الحكام ان يحكموا بموجب القانون والدستور وبموجب المعطيات التي بحوزتهم وليس بحسب رغبات الشعب او اهوائه
الرئيس اوباما، كأي رئيس آخر، لم يتردد في إيكال أمر بناء المسجد من عدمه إلى القائمين بالبناء أنفسهم. قانونياً ودستورياً ليس ثمة ما يمنع بناء المسجد والمركز الإسلامي في ذلك الموقع بالذات. لكن الرئيس الأميركي اضاف في مناسبة أخرى انه ليس متأكداً من حكمة قرار القائمين على بناء المسجد في هذا الموقع بالذات. بعض المعلقين فسر كلام الرئيس تردداً، وبعض السياسيين، ممن يرون انفسهم ناطقين باسم الشعب ومجرد منفذين لرغباته وأوامره، في كلا الحزبين الاميركيين، رأى ان قرار الرئيس هو قرار متسرع لا يخدم المصالح الاميركية العليا
والحق ان النقاش لا يرقى في هذه المناسبة إلى ما عبر عنه الرئيس الأميركي بوضوح، لمن يريد ان يفهم ويتفكر. من الثابت ان بعض هذه السجالات إنما تدخل في باب المناكفات الانتخابية، على ابواب الانتخابات النصفية الأميركية. ذلك ان بعض السياسيين، إن لم يكن جلهم، في هذه اللحظات يعودون من هيكل الحكومة الحاكمة إلى سلطة الشعب. تهيؤاً لليوم الذي يكون فيه الشعب سيداً أي يوم الانتخابات. لكن الرئيس الذي جزم بالحق الدستوري والقانوني في بناء المسجد، بوصفه حاكماً بموجب القانون والدستور، أضاف، هل من الحكمة ان يتم البناء في تلك النقطة بالذات؟ ولم يجزم في هذا المجال. ذلك ان بعض الرأي العام الأميركي وصنّاعه يعتقدون ان البناء في تلك النقطة إنما يهدف إلى تقريب شقة الخلاف بين مكونات المجتمع الأميركي، وإزالة بعض جذور سوء الفهم المتبادل. بعضهم الآخر يرى في البناء في تلك النقطة استفزازاً لمشاعر اهل الضحايا الذين قضوا في برجي التجارة العالميين. والحال، فإن إثارة المناقشة في هذه النقطة من أي جهة أتت ليست أكثر من تربية وتنمية حظوظ الاتجاه الثاني. فلو ان الحريصين على انضباط الاجتماع الاميركي تحت حد القانون لم يثيروا هذه المسألة على النحو الذي تثار به، لكان بناء المسجد في تلك النقطة وقع تماماً ومن دون اي إضافات تحت حد القانون. واقع الأمر ان المتخوفين من أفعى الإرهاب لا يفعلون بإعلان تخوفهم هذا سوى تغذيتها بضحايا جدد
The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.
الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز