نصر أميركي
نصر أميركي
اعادت الإدارة الأميركية تحديد أعداءها: عصابات مسلحة يمثلها تنظيم القاعدة وفروعه المنتشرة في العالم، وأفراد يعملون مستقلين اعتراضاً مسلحاً ومتفجراً على السياسة الأميركية مثلما ظهر في حالة رب الأسرة الباكستاني الأصل الأميركي الجنسية الذي حاول تفجير سيارة مفخخة في التايمز سكوير
التعليقات التي صدرت على إعادة التحديد هذه رأت في السياسة الأميركية تراجعاً عما كانت عليه من قبل. لم يعد ثمة حرب على الإرهاب، ولم يعد ثمة إشارات موحية ترد الإرهاب إلى دين او عرق او منطقة جغرافية بعينها
قد يكون التراجع الأميركي حاصلاً. لكنه ليس تراجع المهزوم كما يحلو لبعض الممانعين للسياسة الأميركية في العالم، والحالمين بأفول الأمبراطورية الأميركية، وحلول الصين محلها او الهند أو البرازيل ان يعلنوا. على الأرجح هو تراجع المنتصر. ذلك انه منذ السنوات الأخيرة في عهد جورج بوش الابن بدا واضحاً ان السياسة الأميركية حققت نجاحات مذهلة في المناطق التي تعمل فيها. واليوم ثمة نقاش ما زال حامياً على التواجد الأميركي العسكري في العراق وافغانستان. لكن المناقشون يغفلون عن كون الوجود العسكري الأميركي بات خارج أي نقاش في بعض دول الخليج العربي. بل ان بعض هذه الدول تدير سياسات خارجية أقرب ما تكون إلى السياسات الممانعة للسياسة الاميركية، وليس ثمة من يطالبها من الممانعين انفسهم بالعمل على جلاء الجيش الأميركي عن أراضيها
في السياسة ايضاً يمكن القول من دون تردد ان مفاتيح الحلول في الشرق الأوسط باتت كلها في يد الأميركيين تقريباً. وان حلفاء اميركا في المنطقة هم اصحاب الحل والربط. فيما لا يستطيع خصومهم سوى التخريب عليهم هنا وهناك. والحق ان خصوم اميركا في المنطقة، مثلما هي حال إيران او سوريا، يرفعون لافتات الاحتفال والنصر ما ان تظهر علامة من علائم اللين في السياسة الأميركية حيالهم، وحين يتحدثون عن انتصاراتهم فإنهم إما يعلنون انهم نجحوا في فك العزلة التي فرضتها أميركا عليهم مثلما هي حال سوريا، او انهم نجحوا في تجنب حرب أميركية تدمر بلدهم مثلما هي حال الإيرانيين، او أنهم نجحوا في البقاء أحياء في الملاجئ مثلما هي حال حزب الله وحركة حماس في غزة ولبنان
في المقلب الآخر ثمة تسليم تام للإرادة الأميركية وسياساتها العامة في المنطقة يمكن ملاحظته في سياسات الدول المعنية بالأزمات المزمنة في تلك المنطقة، من منظمة التحرير الفلسطينية إلى مصر فتركيا. بل يمكن الجزم ان السياسة الأميركية في المنطقة بات لها جمهورها الحاشد باعتراف خصومها انفسهم. فحزب الله اللبناني على سبيل المثال، لا يتردد في اتهام خصومه من اللبنانيين بالعمالة لأميركا، وكذا تفعل حركة حماس في غزة، لكن هؤلاء الذين يوصمون بالعمالة لأميركا ليسوا أقل من نصف الشعب اللبناني وهم قطعاً اكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني
تراجعت أميركا عن مقولة الحرب على الإرهاب. ذلك ان ما يخاض ضدها اليوم ليس حرباً، مجرد مناوشات متفرقة. ويمكنها التعامل معها والتيقن من انتصارها في خاتمة المطاف. اما الحالمون بهزيمة أميركية في العراق او في افغانستان وشمال باكستان وجنوب لبنان، فلم يعد أمامهم سوى انتظار وجهة القرار الأميركي. ذلك أنهم هزموا منذ زمن لكنهم ما زالوا ينتظرون وقت التسليم
The opinions expressed in this blog are strictly personal and do not reflect the views of Global Brief or the Glendon School of Public and International Affairs.
الآراء الواردة في هذا البلوغ هي اراء شخصية ولا تعبر عن وجهة نظر غلوبال بريف او غلندون سكول اوف بابليك اند انترناشونال افيرز.